قطر ترسخ مكانتها العالمية في الرقمنة المالية

نظمت جمعيةُ المحاسبين القانونيين القطرية أمس النسخة الثانية من المؤتمر الإقليمي لتكنولوجيا المال FINTECH بفندق ومُنتجع ويستن بمُشاركة كبرى الهيئات والبنوك الدولية.

وناقشَ المُشاركون المناهج والأساليب والتوجهات لاعتماد التكنولوجيا المالية في القطاع المالي، وكيفية الاستفادة من التكنولوجيا المالية بشكل فعال في بناء وتطوير نماذج أعمال ومُمارسات جديدة تخدم المُتطلبات المُتجددة لاحتياجات السوق ومواكبة التطورات العالمية؛ بهدف توفير بيئة خصبة وجاذبة للاستثمار، بالإضافة إلى أفضل المُمارسات من الدول التي حققت تقدمًا كبيرًا في استخدام هذه التكنولوجيا مع تسليط الضوء على تجربة دولة قطر.

وحظي المؤتمرُ بشراكة استراتيجية من وزارة التجارة والصناعة وجمعية المحاسبين القانونيين المعتمدين البريطانية ACCA ورعاية بلاتينية من شركة الإجارة القابضة ورعاية ذهبية من كل من مركز قطر للمال ووزارة البيئة والتغير المناخي.

واستقطبَ المؤتمرُ مُتحدثين من المؤسسات والمنظمات الدولية، بالإضافة إلى مُتحدثين من دولة قطر والشرق الأوسط في مجال المصارف والخدمات المالية وتكنولوجيا المعلومات.

وقالَ الدكتور هاشم السيد رئيس مجلس إدارة جمعية المحاسبين القانونيين القطرية: تُعد تكنولوجيا المال أو فنتك (Fintech) من مفرزات الثورة الصناعية الرابعة التي ظهرت نتيجة التطور التقني الهائل حتى أضحى العصر الحديث هو عصر الرقمنة التي دخلت في كل مجالات الحياة سواء على مستوى الدول والهيئات أو على مستوى الأفراد.

وأضافَ خلال كلمته في افتتاح المؤتمر: يُمثل الاقتصاد الرقمي 32% من الناتج الإجمالي العالمي. ويأتي القطاع المالي والمصرفي في مُقدمة المجالات التي دخلها قطاع التكنولوجيا، وقد أضحت تكنولوجيا المال أحد أهم أركان هذا القطاع، حيث يتزايد اعتماد العملاء على التطبيقات الإلكترونية والحلول الذكية في تنفيذ مُعاملاتهم المصرفية والمالية.
وأشار د. هاشم السيد إلى أن الحلول الذكية تتمتع بقدرة حقيقية على تغيير هيكل الخدمات المالية التقليدية، من خلال توفير خدمات أسرع وأرخص وأكثر أمنًا وشفافية ما يُتيح لشرائح أكبر من المُتعاملين ويُساعد التحول الرقمي في العالم على بناء مُجتمع معرفي مستدام ورفع الإنتاجية وتحسين الجودة وزيادة الامتثال والحوكمة.
وأوضحَ أن تكنولوجيا المال أحدثت ثورة هائلة من خلال تقديم خدمات مالية مُبتكرة وفعالة، يمكن الوصول إليها من العملاء والشركات في مجالات عدة. وتشعبت هذه الخدمات لتشمل حُزمةً واسعةً كالتحويل، والدفع، والإقراض، والاستثمار، وإدارة المخاطر، وتحليل البيانات وتخزينها، وإدارة الثروات، والادخار الرقمي، والخدمات السحابية وغيرها.
ونوّه إلى أن تكنولوجيا المال ساهمت أيضًا في زيادة القاعدة المالية من خلال تقديم الخدمات المالية لملايين الأشخاص الذين لا يشتركون في النظام المصرفي التقليدي، كما أنها تخلق فرصًا واعدة لتنشيط قطاعات اقتصادية جديدة.
وقالَ الدكتور هاشم السيد: لقد ساهمت هذه الابتكارات في تعزيز وتنامي المؤسسات المالية التقليدية، حيث أعطتها فرصة لتقديم مزيد من الخدمات المالية بيسر وسهولة وتحقيق رضا العملاء. وهو ما جعل الدول والحكومات أمام مسؤولية تاريخية في ضرورة التعاطي مع هذه التطورات والأخذ بها لتحسين الخدمات والأوضاع المعيشية لشعوبها، بعد أن أيقنت أن هذه التقنيات المالية أصبحت جزءًا لا يتجزأ من مُستقبل العالم الذي يتعامل معها بشكل يومي.
وأضافَ: وهنا تحضرني مقولة معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية في كلمة له خلال الجلسة الافتتاحية للنسخة الثالثة من منتدى قطر الاقتصادي، حيث قال: لم يمر عالمنا خلال تاريخه بثورة تكنولوجية ومعرفية، كالتي نعيشها اليوم، ما يعني أنه لا مناص من مسؤوليتنا كحكومات وشركات وأفراد تجاه مُجتمعاتنا، فالتاريخ وأجيال المستقبل سيكونان شاهدًا علينا، وعلى كيفية إدارتنا لهذه المعرفة والموارد.
وتابعَ: وتعطي دولة قطر أهمية كبيرة لقطاع الخدمات الرقمية. وفي خطوة جديدة على طريق تعزيز مكانتها إقليميًا وعالميًا في مجال الرقمنة المالية، أطلقت قطر استراتيجية للتكنولوجيا المالية، في إطار خطواتها نحو تنويع اقتصادها القائم على المعرفة.
وأشارَ الدكتور هاشم السيد إلى أن سعادة محافظ مصرف قطر المركزي أكد أن إطلاق استراتيجية التكنولوجيا المالية، يواكب رؤية قطر الوطنية 2030 لدعم وتعزيز الاقتصاد المُتنوع والاستثمار في اقتصاد قائم على المعرفة، تحت ظل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المُفدى، حفظه الله ورعاه. وتُركز الاستراتيجية على التنمية والتنويع ورفع القدرة التنافسية لقطاع التكنولوجيا المالية والخدمات المالية في دولة قطر من خلال الريادة في البنية التحتية مع تقديم حلول تؤثر بشكل إيجابي على تجربة العملاء.
وأكد على ضرورة أن نُدركَ أن قطاع التقنيات المالية وما يشهده من تطورات مُتسارعة يُشكل لكل المؤسسات العاملة في القطاع المالي والمصرفي فرصًا وتحديات في نفس الوقت. الأمر الذي يستلزم التحوط واتخاذ الإجراءات الاحترازية كافة، التي تُحقق سلامة ونزاهة واستقرار القطاع المصرفي والمالي وفق أساليب تكنولوجية أكثر تقدمًا بما يُحقق التوازن بين النهوض بخدمات هذا القطاع وحمايته من أي اختراقات قد تؤثر سلبًا.

قالَ السيد سالم المناعي مُدير إدارة شؤون الشركات بوزارة التجارة والصناعة: إن المؤتمر يُشكل منصةً مُهمةً لتبادل الأفكار والرؤى حول التوجهات المُثلى لاعتماد التكنولوجيا المالية في القطاع المالي وسبل الاستفادة منها في الهيئات والمؤسسات المالية والاقتصادية.
وأضاف خلال كلمته: إن دولة قطر تولي اهتمامًا كبيرًا بالخدمات الرقمية في القطاعات كافة، بما عزز مكانتها على الصعيد العالمي لتحتل المرتبة الأولى عالميًا في هذا المجال وفقًا لتقرير ل «بوسطن كونسلتينج جروب» والذي أشار إلى أن الخدمات الحكومية الرقمية أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية لسكان الدولة، وذلك منذ بداية جائحة «‏‏كوفيد – 19»‏‏.
وذكر أن وزارة التجارة والصناعة بادرت في إطار جهودها لدعم مسيرة الدولة الرامية لتكريس التحول الرقمي والمُساهمة في تطوير الخدمات الحكومية، بتوفير باقة من الخدمات الرقمية والذكية بهدف تيسير واختصار إجراءات منح الموافقات والتراخيص اللازمة لتأسيس الأعمال وتحقيق التميز في الأداء وتعزيز سرعة إنجاز المُعاملات، بما رسخ مكانة دولة قطر كوجهة جاذبة للاستثمار إقليميًا وعالميًا.
كما حققت دولةُ قطر تقدمًا لافتًا في مجال البنية التحتية وشبكات الاتصالات، حيث احتلت قطر المرتبة الأولى بين أعلى الدول في العالم، في مجال نشر شبكات الألياف الثابتة فضلًا عن أنها تتبوأ مكانة رائدة في تنفيذ شبكات المحمول والجيل الخامس. وجاءت الدولة في المرتبة الثانية عالميًا من بين 175 دولة في مجال اختبار سرعة الإنترنت عبر شبكات الهاتف الجوال وتتصدر التصنيفات العالمية في مؤشرات جودة الحياة الرقمية وانتشار الإنترنت بين السكان والأمن السيبراني.
وأكد مُدير إدارة شؤون الشركات بوزارة التجارة والصناعة، أن الجهود مُتواصلة في سبيل تبني أفضل المعايير الفنية والممارسات العالمية للاستفادة من التقنيات المُتقدمة في مجال التكنولوجيا المالية، مبينًا أن المؤتمر فرصة هامة لتسليط الضوء على المُقاربة التي انتهجتها دولة قطر في سبيل التكيف السريع مع التطورات العالمية وتبني مُختلف الحلول التكنولوجية المُتقدمة المُعتمدة على الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية.

أكدَ السيد حمد حسن الجمالي الرئيس التنفيذي لشركة الإجارة القابضة، أن الفترة القصيرة الماضية شهدت تحولًا ملحوظًا في الاهتمام والدعم للتقنية محليًا وإقليميًا، لكنه لفت لأهمية الإسراع في تبني المزيد من التقنيات المالية للحاق بركب التطور المالي عالميًا، حيث إن انتشار الهواتف الذكية، والتغييرات التي فرضتها متحولات فيروس كورونا، والتطور في التشريعات، والتطور التقني المُتمثل في تقنيات البلوكتشين والذكاء الاصطناعي، جعلت نسب النمو في القطاع تصل إلى 20% سنويًا حتى العام 2030، ما يفرض الإسراع في التطوير بنسب عالية لمواكبة هذا النمو.
وأكد أن عملية التطور التي يشهدها قطاع التكنولوجيا المالية هي جزء أساسي في عملية رقمنة الاقتصاد، التي أصبحت الهدف الأساسي للاقتصادات المُتقدمة والناشئة لما لها من أهمية في توفير الوقت والجهد للعملاء والشركات، وزيادة كفاءة المؤسسات المالية وتخفيض تكلفة الخدمة المُقدمة، مبينًا الدور الكبير الذي تقوم به التقنية المالية في تطوير طرق الدفع ورفع كفاءتها، وإنشاء المحافظ الرقمية التي تسهل تداول الأموال بسهولة أكبر، والاعتماد المُتزايد من قطاع التأمين على الخدمات الرقمية المُقدمة من التقنية المالية، وتطوير طرق المُعاملات البنكية، وظهور طرق جديدة للتمويل مُتمثلة في التمويل الجماعي وقروض الشركات الصغيرة.

تحدثَ الدكتور غسان مارديني، رئيس الجمعية العلمية للمُحاسبة في جامعة قطر، عن أن الذكاء الاصطناعي يتمتع بإمكانية تحسين الشمول المالي بشكل كبير من خلال خلق فرص جديدة للوصول والكفاءة والراحة في القطاع المالي، قائلًا: إنه عملية مؤتمتة بالكامل لتوليد البيانات، حيث يمكن استخدامه في التعرف على التقارير الخارجية (المالية) والداخلية (التقارير الإدارية) وتصنيفها من مصادر مُختلفة.
لكنه رأى على الجانب الآخر، أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يُمثل مخاطر تشغيلية للمؤسسات المالية. وللتخفيف من تحديات الذكاء الاصطناعي والاستقرار المالي، شدد مارديني على أن المؤسسات المالية والهيئات التنظيمية تحتاج إلى تطوير إطار حوكمة مُناسب للذكاء الاصطناعي، بما في ذلك ضمان أن تكون خوارزميات الذكاء الاصطناعي شفافة وعادلة وخاضعة للرقابة المُناسبة.

 للاطلاع على مصدر الخبر، يرجى الضغط (هنا)

تفاصيل الخبر

2023-06-01